الیومیات دایماً ما تکون دالَّه علی انشغالات الکاتب. لکن مع بیسوا تغدو التکهّنات مستحیله. یکون القاری وجهاً لوجه امام یومیَّات بیسوا الدقیقه، التی یشعر القاری لوهله انّها عادیه! لکن مع التقِّدم فی القراءه، تغدو الافکار الموجوده بین طیّات الکتاب کاشفهً عن وحیٍ ما . یبرع بیسوا فی الخلق، وهذا ما یبدو علیه فی هذه الیومیات التی کتبها قبل بلوغه العشرین... سنّ مبکره بالنسبه للبدء بکتابه ملاحظات وانطباعاتٍ غریبه بدات من 1906 وامتدت حتی 1908 ومن 1913 وحتّی 1915 فی مرحلهٍ ثانیه. لم یضیع شییا مما کتب، حتی بطاقات المجامله وتذاکر السفر والقصاصات التی دون علیها بعض الملاحظات، کان قد خبا هذا الکنز باحکام فی صندوق، یشبه مغاره «علی بابا»، لم یتم فتحه الا بعد اکثر من ثلاثین سنه بعد موته. من خلال الیومیَّات المختزله والمشذّبه، یستدلّ القاری علی ولع بیسوا بالایجاز. کلّ شیء مرتّب لفظاً، ودال علی المعنی دون زواید لغویَّه. وهذا ما جعل بعض منظری الادب یعتبرونه راید الکتابه « الشذریه.». ساترککم الان تلمسون تجربه الوحی واعاده الخلق هذه مع مجموعه نصوصه التی اخترتها لکم لماذا انا تعیس الی هذا الحد ! لماذا انا یجب ان اکون . لماذا نصفی معارض لنصفی الاخر ! و نَصْرُ احدهما هو هزیمه الاخر . والهزیمه عذاب . هو عذابی دایما .ثمه طرف منی کبیر ونبیل ، و الاخر حقیر ودنیء وهما معا جزء من ذاتی . عندما ینتصر الطرف الکبیر فیّ ، اعانی بشده لان الطرف الاخر الذی هو حقا انای الذی لم انجح فی اخراجه من داخلی - یعانی ویتالم . وحینما یتفوق الطرف الخسیس فیّ ، یتالم الاخر النبیل ویتشکّی.لم توجد قط روح اکثر ودا وحنوا من روحی ، اکثر طیبه ورافه واکثر تعاطفا وتقاربا وحبا . مع ذلک لا وجود لروح اشدّ وحده من روحی ؛ الی جانب حنوی الهایل وطیبتی ثمه عنصر فی طبعی معارض کلیا ، عنصر غم وانانیه ذو مفعول مزدوج : یمنع ویلغی نمو تلک المزایا الباطنیه والحیلوله ، بما یسببه من غم ، دون تجسدها خارجیا بالاعراب عنها . علی ان احلل هذا کله فی یوم من الایام ؛ یجب ان اختبر بعنایه ، و ان امیز بین هذه العناصر المکونه لطبعی ؛ ذلک ان فضولی ازاء الاشیاء کلها ، مضموما الی فضولی تجاه ذاتی نفسها وتجاه طبعی الخاص. انتمی الی ذلک الصنف من ذوی الطبع الباطنی المنکفیء علی ذاتی ، الصموت ممن لا یکتفی بذاته وانما یضیع ذاته نفسها . حیاتی کلها کانت حلما ولا مبالاه . مزاجی مصنوع بتمامه من رفض، من رعب ، من عجز ، تجتاح کل ما انا ایاه فیزیقیا وذهنیا ونفسیا وتقودنی الی افعال حاسمه وافکار نهاییه . لم اتخذ قط ای قرار ناجم منی . لم اتصرف البته وفق اراده واعیه ، ولم اتمکن من انهاء ای کتابه کتبتها . افکاری دایما ولدت مختلطه . افکار غریبه لا تغتفر ، تتبع الحد حتی اللانهایی . لا اتمکن من کبح کراهیه تفکیری للنهایه . من شیء واحد تنبثق عندی میه فکره . وهذه الافکار المیه تولد الف من ترابطات افکار اخری ، تتخذ فیها اساسا لها ولا املک قوه اراده لازالتها او ایقافها ولا حتی لتجمیعها فی فکره مرکزیه واحده تسمح باقصاء التفاصیل الصغیره التافهه . وتظل تلاحقنی افکار لیست افکاری . انا لا اتامل ، بل احلم ، اهلوس ، لا اتلقی الهاما . استطیع ان ارسم لکننی لم اجرب الرسم فقط . انا قادر علی التالیف الموسیقی غیر اننی لم احاول ذلک قط . ثمه تصورات غریبه عن الفنون الثلاثه تداعب خیالی . غیر اننی انومها تماما حتی تموت .ان وجود افعال ووقایع منغلقه حول الله او العالم ترعبنی ، کون الجزء الاکبر من الاشیاء التی تنفتح یتوجب اغلاقها ، کون الناس ینبغی ان یکونو سعداء ، ان یجدو حلا للشر الذی یولم المجتمع ، مجرد فکره بسیطه عن هذا کله تجننی ، وبرغم ذلک فانا لست شریرا ولا قاسیا . انا مجنون حنونا عسیرا علی الفهم .انا ظلی نفسی ذاتها ، ابحث عن الظل احیانا اتوقف عند حافه نفسی و اتساءل ما اذا کنت مجنونا او اننی سر موغل فی السریه .ما قمت به من افعال کان موجها دایما نحو الداخل .. لم المس الحیاه فقط .. لقد قدت معسکرات کبیره . ربحت معارک کبری ، استمتعت بهزایم کبری ؛ کل ذلک بداخلی .لم اعرف قط الحب کیف یکون ... عرفت فحسب کیف یکون الحلم بالحب .. یضایقنی فراغ مطلق من اخوه وموده . حتی الذین یوجدون بالقرب منی غیر موجودین ، اننی محاط باصدقاء لیسو اصدقایی وبمعارف لا یعرفوننی . اشعر ببرد فی الروح ، لا اعرف کیف احمی ذاتی ولا یوجد غطاء و لا رداء لتدفیه برد الروح .انا الیوم اکثر وحده مما کنت . معزول اکثر مما کنت . شییا فشییا تتفکک کل روابطی تلقاییا . عما قریب سابقی وحیدا تماما . اسوا الامی یکمن فی عدم قدرتی ابدا علی نسیان حضوری المیتافیزیقی فی الحیاه . هنا مکمن خجلی المتعالی الذی یفزع جمیع حرکاتی وینزع عنی جمیع عباراتی روح البساطه والانفعال مباشره . بینی وبین العالم ضبابه تمنعنی من رویه الاشیاء کما هی فی حقیقتها ، کما هی بالنسبه للاخرین . هذا ما احس، لدی افکار ان استطعتُ تجسیدها ومنحها حیاهً یمکنها ان تضیف سطوعًا جدیدًا الی النجوم ، جمالاً جدیدًا الی العالم وحبا اعظم الی قلب الانسان .اختم لاعلق علی اخر شذره و اقول اه من افکارک یا بیسوا لو تجسد الواحد بالمیه منها لراینا نجوما بخلق اخر تنضاف الی خلق فان غوغ العظیم فی لوحته لیله النجوم
اليوميات دائماً ما تكون دالَّة على انشغالات الكاتب. لكن مع بيسوا تغدو التكهّنات مستحيلة. يكون القارئ وجهاً لوجه أمام يوميَّات بيسوا الدقيقة، التي يشعر القارئ لوهلة أنّها عادية! لكن مع التقِّدم في القراءة، تغدو الأفكار الموجودة بين طيّات الكتاب كاشفةً عن وحيٍ ما . يبرع بيسوا في الخلق، وهذا ما يبدو عليه في هذه اليوميات التي كتبها قبل بلوغه العشرين... سنّ مبكرة بالنسبة للبدء بكتابة ملاحظات وانطباعاتٍ غريبة بدأت من 1906 وامتدت حتى 1908 ومن 1913 وحتّى 1915 في مرحلةٍ ثانية. لم يضيع شيئا مما كتب، حتى بطاقات المجاملة وتذاكر السفر والقصاصات التي دون عليها بعض الملاحظات، كان قد خبأ هذا الكنز بإحكام في صندوق، يشبه مغارة «علي بابا»، لم يتم فتحه إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة بعد موته. من خلال اليوميَّات المختزلة والمشذّبة، يستدلّ القارئ على ولع بيسوا بالإيجاز. كلّ شيء مرتّب لفظاً، ودال على المعنى دون زوائد لغويَّة. وهذا ما جعل بعض منظري الأدب يعتبرونه رائد الكتابة « الشذرية.». سأترككم الأن تلمسون تجربه الوحي وإعادة الخلق هذه مع مجموعة نصوصه التي اخترتها لكم لماذا أنا تعيس إلى هذا الحد ! لماذا أنا يجب أن أكون . لماذا نصفي معارض لنصفي الأخر ! و نَصْرُ احدهما هو هزيمة الأخر . والهزيمة عذاب . هو عذابي دائما .ثمة طرف مني كبير ونبيل ، و الاخر حقير ودنيء وهما معا جزء من ذاتي . عندما ينتصر الطرف الكبير فيّ ، أعاني بشدة لان الطرف الاخر الذي هو حقا أناي الذي لم انجح في اخراجه من داخلي - يعاني ويتألم . وحينما يتفوق الطرف الخسيس فيّ ، يتألم الأخر النبيل ويتشكّى.لم توجد قط روح أكثر ودا وحنوا من روحي ، أكثر طيبة ورأفة واكثر تعاطفا وتقاربا وحبا . مع ذلك لا وجود لروح أشدّ وحدة من روحي ؛ الى جانب حنوي الهائل وطيبتي ثمة عنصر في طبعي معارض كليا ، عنصر غم وانانية ذو مفعول مزدوج : يمنع ويلغي نمو تلك المزايا الباطنية والحيلولة ، بما يسببه من غم ، دون تجسدها خارجيا بالإعراب عنها . على أن أحلل هذا كله في يوم من الايام ؛ يجب أن اختبر بعناية ، و أن أميز بين هذه العناصر المكونة لطبعي ؛ ذلك أن فضولي إزاء الاشياء كلها ، مضموما الى فضولي تجاه ذاتي نفسها وتجاه طبعي الخاص. انتمي الى ذلك الصنف من ذوي الطبع الباطني المنكفيء على ذاتي ، الصموت ممن لا يكتفي بذاته وانما يضيع ذاته نفسها . حياتي كلها كانت حلما ولا مبالاة . مزاجي مصنوع بتمامه من رفض، من رعب ، من عجز ، تجتاح كل ما أنا إياه فيزيقيا وذهنيا ونفسيا وتقودني الى أفعال حاسمة وأفكار نهائية . لم اتخذ قط أي قرار ناجم مني . لم اتصرف البتة وفق ارادة واعية ، ولم اتمكن من إنهاء أي كتابة كتبتها . أفكاري دائما ولدت مختلطة . أفكار غريبة لا تغتفر ، تتبع الحد حتى اللانهائي . لا اتمكن من كبح كراهية تفكيري للنهاية . من شيء واحد تنبثق عندي مئة فكرة . وهذه الافكار المئة تولد ألف من ترابطات أفكار أخرى ، تتخذ فيها اساسا لها ولا أملك قوة ارادة لازالتها أو ايقافها ولا حتى لتجميعها في فكرة مركزية واحدة تسمح بإقصاء التفاصيل الصغيرة التافهة . وتظل تلاحقني أفكار ليست أفكاري . انا لا أتأمل ، بل أحلم ، أهلوس ، لا أتلقي الهاما . أستطيع أن ارسم لكنني لم أجرب الرسم فقط . انا قادر على التأليف الموسيقي غير أنني لم أحاول ذلك قط . ثمة تصورات غريبة عن الفنون الثلاثة تداعب خيالي . غير انني انومها تماما حتى تموت .إن وجود أفعال ووقائع منغلقة حول الله أو العالم ترعبني ، كون الجزء الاكبر من الاشياء التي تنفتح يتوجب اغلاقها ، كون الناس ينبغي أن يكونو سعداء ، أن يجدو حلا للشر الذي يؤلم المجتمع ، مجرد فكرة بسيطة عن هذا كله تجنني ، وبرغم ذلك فأنا لست شريرا ولا قاسيا . أنا مجنون حنونا عسيرا على الفهم .أنا ظلي نفسي ذاتها ، ابحث عن الظل أحيانا أتوقف عند حافة نفسي و اتساءل ما إذا كنت مجنونا أو أنني سر موغل في السرية .ما قمت به من أفعال كان موجها دائما نحو الداخل .. لم المس الحياة فقط .. لقد قدت معسكرات كبيرة . ربحت معارك كبرى ، استمتعت بهزائم كبرى ؛ كل ذلك بداخلي .لم أعرف قط الحب كيف يكون ... عرفت فحسب كيف يكون الحلم بالحب .. يضايقني فراغ مطلق من أخوة ومودة . حتى الذين يوجدون بالقرب مني غير موجودين ، انني محاط باصدقاء ليسو اصدقائي وبمعارف لا يعرفونني . أشعر ببرد في الروح ، لا أعرف كيف أحمي ذاتي ولا يوجد غطاء و لا رداء لتدفئة برد الروح .أنا اليوم أكثر وحدة مما كنت . معزول أكثر مما كنت . شيئا فشيئا تتفكك كل روابطي تلقائيا . عما قريب سأبقى وحيدا تماما . أسوأ الامي يكمن في عدم قدرتي أبدا على نسيان حضوري الميتافيزيقي في الحياة . هنا مكمن خجلي المتعالي الذي يفزع جميع حركاتي وينزع عني جميع عباراتي روح البساطة والانفعال مباشرة . بيني وبين العالم ضبابة تمنعني من رؤية الاشياء كما هي في حقيقتها ، كما هي بالنسبة للاخرين . هذا ما أحس، لدي أفكار إن استطعتُ تجسيدها ومنحها حياةً يمكنها أن تضيف سطوعًا جديدًا الى النجوم ، جمالاً جديدًا الى العالم وحبا أعظم الى قلب الإنسان .اختم لأعلق على أخر شذرة و أقول اه من أفكارك يا بيسوا لو تجسد الواحد بالمئة منها لرأينا نجوما بخلق أخر تنضاف الى خلق فان غوغ العظيم في لوحته ليلة النجوم