لم یتغلغل الإسلام فی الغرب جراء فتح عسکری، وإنما بثورة ثقافیة؛ فهو لا یزعم أن دین جدید نشأ فی البلاد الغربیة فی القرن السابع.فالقرآن لا ینص صراحة أن محمداً (لیس بدعاً من الأنبیاء)، و لکنه جاء یؤکد و یتمم الأدیان السابقة، وهو یردد فی مناسبات شتی أن إبراهیم و موسی و عیسی و محمد کانوا رسلاً لله.وهکذا أمکن لأسبانیا المسلمة أن یتحقق التعایش الخصب للثقافات الثلاث: الیهودیة و المسیحیة و الإسلامیة.و کانت قرطبة و هی فی أوجها، أکبر مدینة فی العالم من حیث عدد سکانها و خاصة بإشعاع ثقافتنا، وفی جامعة قرطبة أعد - من أجل أوروبا بأکملها - العلم الحدیث، التجریبی و الریاضی، و لکن هذا العلم لم یکن أبداً منفصلاً عن الحکمة (التأمل فی غایات العلم)، ولا عن الإیمان بقیم السنة الإبراهیمیة المطلقة.فإن واقع الحال لمثل هذه الرسالة الیوم لجَلِیّ حیث انفصال العلم عن الحکمة، والإیمان یضع حضارتنا فی خطر بفقدانها للغایة والأمان.إن نهضة أوروبا الحقیقیة لم تبدأ فی إیطالیا فی القرن السادس عشر، وإنما فی إسبانیا بالقرن الثالث عشر، وهذا الکتاب یقدم تفکیراً حول أصول هذا الأمر الهائل.