ربما لا یصح أن تقرأ هذا الکتاب ، وأی کتاب آخر ل"فریدریک نیتشة" وأنت عابس أو جدی مفرط فی الجدیة ، کأن تحسب مثلاً ، أن المهم هو تلخیص أفکاره وتبویبها بهدف حفظها وتعلیمها علی فرار ما کنت لتفعل مع فلاسفة غدوا کلاسیکیین ؛ لأن الفلسفة عند "نیتشة" تعاند التلخیص إلی مضمون میسر یسهل تناقله.. کتاب "ما وراء الخیر والشر" هو کتاب مرکزی بین مؤلفات "نیتشة" وینتمی للمرحلة الختامیة من سیرته الفکریة ، ویشکل حقل اختبار للأفکار الدینامیة التی تمیز بها "نیتشه" عن من سواه من الفلاسفة ، وهو فی جوهره نقد للحداثة کما یقول "نیتشة" نفسه ، نقد لا تستثنی منه لا العلوم الحدیثة ولا الفنون الحدیثة ولا حتی السیاسة الحدیثة ، إنه خلخلة ، من منظور أرستقراطی ، لقیم (التمدن) کلها بدءاً من الموضوعیة العلمیة ومطلب الحقیقة المجردة وصولاً إلی المساواة والتقدم ، مروراً بحقوق الإنسان والمواطن ، وأخلاق التراحم والعطف ، وحقوق المرأة ، وحق الشعوب فی ...